responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 50
بِالرَّبْوَةِ فِي هَذَا الْمَثَلِ كَوْنَ الْأَرْضِ بِحَيْثُ تَرْبُو وَتَنْمُو، فَهَذَا مَا خَطَرَ بِبَالِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو أُكُلَها بِالتَّخْفِيفِ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّثْقِيلِ، وَهُوَ الْأَصْلُ، وَالْأُكُلُ بِالضَّمِّ الطَّعَامُ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُؤْكَلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها [إِبْرَاهِيمَ: 25] أَيْ ثَمَرَتَهَا وَمَا يُؤْكَلُ مِنْهَا، فَالْأَكْلُ فِي الْمَعْنَى مِثْلُ الطُّعْمَةِ، وَأَنْشَدَ الْأَخْفَشُ:
فَمَا أَكْلَةٌ إِنْ نِلْتَهَا بِغَنِيمَةٍ ... وَلَا جَوْعَةٌ إِنْ جُعْتَهَا بِقِرَامِ
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ إِنَّهُ لَذُو أَكْلٍ إِذَا كَانَ لَهُ حَظٌّ مِنَ الدُّنْيَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ يَعْنِي مِثْلَيْنِ لِأَنَّ ضِعْفَ الشَّيْءِ مِثْلُهُ زَائِدًا عَلَيْهِ، وَقِيلَ ضِعْفُ الشَّيْءِ مِثْلَاهُ قَالَ عَطَاءٌ: حَمَلَتْ فِي سَنَةٍ مِنَ الرَّيْعِ مَا يَحْمِلُ غَيْرُهَا فِي سَنَتَيْنِ، وَقَالَ الْأَصَمُّ: ضِعْفُ مَا يَكُونُ فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: مِثْلَيْ مَا كَانَ يُعْهَدُ مِنْهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ الطل: مطر صغير الفطر، ثُمَّ فِي الْمَعْنَى وُجُوهٌ:
الْأَوَّلُ: الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْجَنَّةَ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَيُصِيبُهَا مَطَرٌ دُونَ الْوَابِلِ، إِلَّا أَنَّ ثَمَرَتَهَا بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَنْقُصُ بِسَبَبِ انْتِقَاصِ الْمَطَرِ وَذَلِكَ بِسَبَبِ كَرَمِ الْمَنْبَتِ الثَّانِي: مَعْنَى الْآيَةِ إِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ حَتَّى تُضَاعَفَ ثَمَرَتُهَا فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُصِيبَهَا طَلٌّ يُعْطِي ثَمَرًا دُونَ ثَمَرِ الْوَابِلِ، فَهِيَ عَلَى جَمِيعِ الأحوال لا تخلوا مِنْ أَنْ تُثْمِرَ، فَكَذَلِكَ مَنْ أَخْرَجَ صَدَقَةً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَضِيعُ كَسْبُهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالْمُرَادُ مِنَ الْبَصِيرِ الْعَلِيمُ، أَيْ هُوَ تَعَالَى عَالِمٌ بِكَمِّيَّةِ النَّفَقَاتِ وَكَيْفِيَّتِهَا، وَالْأُمُورِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ تَعَالَى مُجَازٍ بِهَا إِنْ خيراً فخير وإن شرًّا فشر.

[سورة البقرة (2) : آية 266]
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا مَثَلٌ آخَرُ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ مَنْ يُتْبِعُ إِنْفَاقَهُ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى، وَالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ جَنَّةً فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالنِّهَايَةِ، كَثِيرَةَ النَّفْعِ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ فِي غَايَةِ الْعَجْزِ عَنِ الْكَسْبِ وَفِي غَايَةِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ، وَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ ذُرِّيَّةٌ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْحَاجَةِ، وَفِي غَايَةِ الْعَجْزِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُ مُحْتَاجًا أَوْ عَاجِزًا مَظِنَّةُ الشَّدَّةِ وَالْمِحْنَةِ، وَتَعَلُّقُ جَمْعٍ مِنَ الْمُحْتَاجِينَ الْعَاجِزِينَ بِهِ زِيَادَةُ مِحْنَةٍ عَلَى مِحْنَةٍ، فَإِذَا أَصْبَحَ الْإِنْسَانُ وَشَاهَدَ تِلْكَ الْجَنَّةَ مُحْرَقَةً بِالْكُلِّيَّةِ، فَانْظُرْ كَمْ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْغَمِّ وَالْحَسْرَةِ، وَالْمِحْنَةِ وَالْبَلِيَّةِ تَارَةً بِسَبَبِ أَنَّهُ ضَاعَ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ الشَّرِيفِ النَّفِيسِ، وَثَانِيًا: بِسَبَبِ أَنَّهُ بَقِيَ فِي الْحَاجَةِ وَالشِّدَّةِ مَعَ الْعَجْزِ عَنِ الِاكْتِسَابِ وَالْيَأْسِ عَنْ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ أَحَدٌ شَيْئًا، وَثَالِثًا: بِسَبَبِ تَعَلُّقِ غَيْرِهِ بِهِ، وَمُطَالَبَتِهِمْ إِيَّاهُ بِوُجُوهِ النَّفَقَةِ، فَكَذَلِكَ مَنْ أَنْفَقَ لِأَجْلِ اللَّهِ، كَانَ ذَلِكَ نَظِيرًا لِلْجَنَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، كَذَلِكَ الشَّخْصُ الْعَاجِزُ الَّذِي يَكُونُ كُلُّ اعْتِمَادِهِ فِي وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ عَلَى تِلْكَ الْجَنَّةِ، وَأَمَّا إِذَا أَعْقَبَ إِنْفَاقَهُ بِالْمَنِّ أَوْ بِالْأَذَى كَانَ ذَلِكَ كَالْإِعْصَارِ الَّذِي يحرق تلك الجنّة،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست